مجتمع

المغرب يسعى لإقرار قانون ينظم منصات التواصل الاجتماعي

المغرب يسعى لإقرار قانون ينظم منصات التواصل الاجتماعي

في خطوة تعكس وعي الحكومة المغربية بحجم التحديات التي تفرضها التغيرات التكنولوجية المتسارعة، أعلن المهدي بنسعيد، وزير الثقافة والشباب والتواصل، أن المغرب أصبح أمام ضرورة إرساء إطار قانوني وطني ينظم منصات التواصل الاجتماعي، بما ينسجم مع التحولات الرقمية العالمية وبما يراعي في ذات الوقت الخصوصيات المحلية. وأوضح الوزير أن هذه المنصات باتت تلعب دورا محوريا في التأثير على الأفراد والمجتمعات، إلا أنها أيضا أصبحت في حالات كثيرة مصدرا للمحتويات التي تضر بالتوازنات الاجتماعية وتؤثر على القيم والثقافات الوطنية.

ومن جانب آخر، أبرز المسؤول الحكومي أن هذا التشريع المنتظر لن يكون هدفه التضييق على الحريات أو مصادرة الرأي، بل العكس تماما، حيث سيقوم على احترام حرية التعبير وفتح المجال للمواطنين للتفاعل والمشاركة، غير أنه سيرسم الحدود التي تحمي المستخدمين، وخاصة منهم الفئات الهشة مثل القاصرين، من التعرض لمخاطر المحتويات الرقمية السامة والخطيرة التي قد تترك آثارا نفسية وسلوكية ضارة.

وفي إطار عرضه التفصيلي أمام لجنة الثقافة والتعليم والاتصال بمجلس النواب، أفاد الوزير بنسعيد أن الحكومة منكبة حاليا على إعداد منظومة تشريعية دقيقة تفرض التزامات واضحة وصارمة على المنصات الرقمية العالمية، خصوصا تلك التي تستهدف الجمهور المغربي بشكل مباشر. وسترتكز هذه المنظومة على مبدأ الرقابة المزدوجة الذاتية والمؤسساتية، مما سيتيح للمغرب أدوات فعالة لضبط وتوجيه المحتوى الرقمي بما يخدم الصالح العام ويحمي حقوق المواطنين.

وفي السياق ذاته، أشار الوزير إلى أن التشريع المقترح يهدف أيضا إلى سد الثغرات القانونية الحالية التي تتيح للمنصات الرقمية الأجنبية العمل بحرية شبه مطلقة داخل السوق الوطنية، دون أن تخضع لأي مراقبة رسمية أو ضريبية من طرف السلطات المختصة. وهو ما اعتبره بنسعيد وضعا غير مقبول يتطلب تصحيحا عاجلا من خلال هذا الإطار القانوني الجديد.

وتابع الوزير موضحا أن المشروع المرتقب سيمنح الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري صلاحيات جديدة تمتد لتشمل المجال الرقمي بكافة أشكاله، ما سيمكنها من ممارسة دورها في تتبع ومراقبة المحتويات المنشورة عبر المنصات، حتى لو كانت هذه الأخيرة لا تتوفر على تمثيلية قانونية داخل المغرب. كما ستصبح الهيئة قادرة على اتخاذ إجراءات صارمة ضد المخالفين لضمان التوازن بين حماية الحريات وحماية الجمهور العام.

وتماشيا مع التوجهات العالمية الحديثة في مجال تنظيم الفضاء الرقمي، أكد الوزير أن المشروع المغربي يستلهم بعض التجارب الدولية الناجحة في هذا المجال، وعلى رأسها التجربة الأوروبية، والتي دخلت حيز التنفيذ خلال سنة 2023. ويرى الوزير أن استلهام هذه التجارب من شأنه أن يمنح النموذج المغربي مصداقية وفعالية أكبر في التصدي للمشاكل الناجمة عن سوء استغلال هذه المنصات.

وأوضح بنسعيد أيضا أن هذا التشريع سيحدد بشكل صريح تعريف المنصات الرقمية المعنية، كما سيجبر مقدمي هذه الخدمات على احترام القوانين المغربية، بما في ذلك إلزامهم بتعيين ممثل قانوني دائم داخل المغرب يكون مسؤولا عن التواصل مع السلطات الوطنية ومعالجة الشكايات والمشاكل القانونية العالقة.

وفي السياق نفسه، لفت الوزير إلى أهمية أن تعمل المنصات الرقمية وفق آليات حديثة ومتطورة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لرصد وتتبع المحتويات الضارة وغير القانونية بشكل فوري وفعال، موازاة مع تمكين المستخدمين من أدوات واضحة للتبليغ عن مثل هذه المحتويات بطريقة سلسة وسريعة.

كما أضاف بنسعيد أن مشروع القانون سيركز أيضا على جانب بالغ الأهمية يتمثل في التصدي للأخبار الزائفة والمحتويات التحريضية التي تشكل خطرا على استقرار المجتمع، بالإضافة إلى تشديد المراقبة على الإعلانات والمحتويات التي تستهدف الأطفال والقاصرين بما قد يحمله ذلك من مضامين ضارة وغير ملائمة لأعمارهم.

وعلى صعيد آخر، أشار الوزير إلى أن الإطار القانوني الجديد لن يغفل الجانب المالي، حيث سيتم وضع قواعد صارمة للمحاسبة المالية للمنصات الرقمية بهدف ضمان انخراطها في المنظومة الجبائية الوطنية، بما يحقق العدالة الضريبية ويعزز مداخيل الدولة من خلال تحصيل الضرائب المستحقة عن الأنشطة التي تدر أرباحا طائلة داخل البلاد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى