حريق مهول يحول سوق “جنان الجامع” بتارودانت إلى رماد ويكشف هشاشة البنية داخل الأسواق العتيقة

حريق مهول يحول سوق “جنان الجامع” بتارودانت إلى رماد ويكشف هشاشة البنية داخل الأسواق العتيقة
اندلعت ألسنة اللهب في سوق “جنان الجامع” بمدينة تارودانت في مشهد مروع هز سكون الليل، وحولت جزءا كبيرا من هذا الفضاء التجاري العريق إلى رماد. الحريق الذي شب في أحد المحلات التجارية الصغيرة سرعان ما تمدد داخل أروقة السوق القديمة، ليأتي على عدد كبير من الدكاكين ويخلف خسائر مادية فادحة، تاركا خلفه حالة من الحزن والأسى بين التجار والسكان الذين اعتادوا على نبض الحياة في هذا الفضاء التاريخي.
انتشرت النيران بسرعة كبيرة بسبب طبيعة المواد الموجودة داخل بعض المحلات، إذ تحتوي على سلع قابلة للاشتعال من أقمشة وزيوت وعطور ومواد بلاستيكية، ما جعل السيطرة على الحريق أمرا بالغ الصعوبة. وأكد شهود عيان أن الدخان غطى سماء المدينة لعدة ساعات، فيما دوت أصوات الانفجارات الصغيرة الناتجة عن اشتعال بعض المواد، لتزيد من خطورة الموقف وتعقد جهود الإطفاء.
وبين أزقة السوق الضيقة، تسابق رجال الوقاية المدنية والسلطات المحلية لإخماد ألسنة النار، مستعينين بكل الوسائل المتاحة، إلا أن تشابك الممرات وضيق المسالك حال دون وصول الشاحنات والمعدات إلى بعض النقاط المشتعلة. وعلى الرغم من الصعوبات، فقد تجند العشرات من التجار والسكان في مبادرة تضامنية للمساعدة في الحد من انتشار النيران، مستخدمين الدلاء والمياه في محاولة لإخماد اللهب وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
المشهد كان مأساويا بكل تفاصيله. محلات تجارية عريقة كانت تمثل مصدر رزق لعائلات كثيرة تحولت في لحظات إلى أطلال سوداء. وأعرب العديد من التجار عن حزنهم العميق لما أصاب السوق، مؤكدين أن الخسائر ليست فقط مادية بل معنوية أيضا، لأن السوق يمثل ذاكرة حية للمدينة ومعلما يعكس تاريخها التجاري العريق.
وفي خضم هذه الفاجعة، سارعت المصالح المختصة إلى فتح تحقيق شامل لكشف الأسباب الحقيقية وراء اندلاع الحريق، خاصة أن العديد من الأصوات دعت إلى ضرورة مراجعة شروط السلامة داخل الأسواق القديمة، التي تفتقر في معظمها إلى تجهيزات وقائية مناسبة كأنظمة الإنذار وأجهزة الإطفاء الحديثة. هذه الدعوات أعادت النقاش حول مدى جاهزية البنية التحتية داخل الأسواق التاريخية، وضرورة تأهيلها لتفادي تكرار مثل هذه الكوارث.
كما عبر عدد من الفاعلين الجمعويين عن تضامنهم مع التجار المتضررين، داعين إلى تقديم الدعم المادي والمعنوي لهم، وإطلاق مبادرات لإعادة تأهيل السوق حتى يستعيد حيويته ودوره الاقتصادي والاجتماعي. ف“جنان الجامع” ليس مجرد سوق تقليدي، بل هو جزء من هوية تارودانت وروحها التي تجمع بين التاريخ والتجارة والحياة الشعبية اليومية.
الحريق الذي التهم قلب السوق العتيق كشف عن واقع صعب تعيشه العديد من الفضاءات التجارية القديمة بالمغرب، والتي تحتاج إلى تدخل عاجل لتقوية بنيتها وتأمينها ضد الأخطار. وبين صدمة الخسارة وأمل الترميم، يبقى “جنان الجامع” شاهدا على ذاكرة مدينة قاومت النسيان، وبقيت أسواقها رمزا للأصالة رغم قسوة المحن.