مجتمع

لافتات “ممنوع الدراسة بالمقهى” تشعل الجدل بين الطلبة وأصحاب المقاهي المغربية

لافتات “ممنوع الدراسة بالمقهى” تشعل الجدل بين الطلبة وأصحاب المقاهي المغربية

عرفت بعض المقاهي في مختلف المدن المغربية حالة من الجدل المجتمعي بعد أن ظهرت لافتات جديدة على واجهاتها تحمل عبارة “ممنوع الدراسة بالمقهى”. هذه الخطوة غير المألوفة فجرت نقاشا واسعا بين رواد هذه الفضاءات، خصوصا الطلبة الذين اعتادوا منذ سنوات اتخاذ المقهى مكانا مريحا للمراجعة، وموقعا مناسبا لإنجاز البحوث والأعمال الجماعية بعيدا عن ضوضاء المنازل أو اكتظاظ المكتبات العامة.

تعددت الآراء حول هذه المبادرة، فهناك من اعتبرها تصرفا منطقيا ينسجم مع طبيعة المقهى كمشروع تجاري هدفه الأول تحقيق الأرباح، لا توفير فضاء للدراسة دون مقابل مادي. بينما يرى آخرون أنها خطوة تقيد حرية الشباب وتغلق أمامهم أحد المنافذ القليلة التي يجدون فيها الراحة والتركيز، خاصة في ظل محدودية البنية التحتية الثقافية وضعف تجهيز المكتبات بالإنترنت أو بوسائل الراحة التي يحتاجها الطلبة.

في المقابل، قدم عدد من أصحاب المقاهي تبريراتهم لهذه اللافتات، مؤكدين أن بعض الطلبة يشغلون الطاولات لساعات طويلة دون طلب أكثر من كوب قهوة واحد، مما يقلص من فرص استقبال الزبائن الآخرين ويؤثر على المداخيل اليومية للمحل. وأوضح بعضهم أن المقاهي ليست قاعات مطالعة، بل مؤسسات تجارية تحتاج إلى توازن بين رضا الزبون واستمرارية النشاط الاقتصادي.

غير أن هناك من يرى في هذا المنع تقويضا لروح المقهى المغربية التي لطالما شكلت فضاء فكريا وثقافيا ساهم في ولادة مشاريع أدبية وفنية كبيرة، وكان يجتمع فيها المثقفون والنقاشات الحرة التي أغنت المشهد الثقافي الوطني لعقود طويلة. لذلك يعتبر كثيرون أن إغلاق هذا الباب أمام الطلبة يفرغ المقهى من بعده الاجتماعي والثقافي الذي ميزه تاريخيا.

أما على مواقع التواصل الاجتماعي، فقد تحولت القضية إلى موضوع نقاش واسع بين مؤيد ومعارض. عبر البعض عن تفهمه لموقف أصحاب المقاهي، فيما طالب آخرون بضرورة إيجاد صيغة وسطية توازن بين المصلحة التجارية وحق الطلبة في فضاءات للدراسة. وتنوعت المقترحات بين تخصيص ركن خاص بهم داخل المقهى، أو فرض حد أدنى للاستهلاك مقابل السماح بالمكوث لفترات طويلة.

وفي خضم هذا الجدل، يبرز سؤال جوهري حول غياب البدائل الحقيقية التي يمكن أن تعوض الطلبة عن المقاهي كمكان للمطالعة والمراجعة. فلو كانت المكتبات العامة أكثر عددا وتجهيزا، أو توفرت فضاءات طلابية مهيأة في كل حي، لما كان هذا النقاش ليحتد بهذا الشكل. وبين من يرى في الأمر دفاعا مشروعا عن مصالح التجار، ومن يعتبره مساسا بروح الانفتاح الثقافي، تبقى المقاهي مرآة لتغيرات المجتمع المغربي وتعبيرا عن توازن دقيق بين الاقتصاد والثقافة في الحياة اليومية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى