ذكرى المسيرة الخضراء.. ملحمة وطنية لاستكمال الوحدة الترابية
ذكرى المسيرة الخضراء.. ملحمة وطنية لاستكمال الوحدة الترابية
تحتفل المملكة المغربية اليوم بمرور 49 عاماً على المسيرة الخضراء، تلك اللحظة التاريخية العظيمة التي تجسد روح التلاحم بين العرش العلوي والشعب المغربي، حيث تمثل هذه المسيرة مسيرة استكمال الاستقلال الوطني وتحقيق الوحدة الترابية. وعبر بيان رسمي، أشارت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير إلى أن هذا اليوم، السادس من نونبر، هو مناسبة للاحتفاء بواحدة من أعظم الذكريات الوطنية، حيث يحتفل بها جميع المغاربة من شمال المملكة إلى جنوبها في أجواء مفعمة بالفخر والحماسة الوطنية.
في مثل هذا اليوم من سنة 1975، أطلق الملك الراحل الحسن الثاني فكرة المسيرة الخضراء، التي تجمع فيها المتطوعون من مختلف شرائح المجتمع المغربي، وتوجهوا إلى الأقاليم الصحراوية لاسترجاعها من الاستعمار الإسباني. وتمتاز هذه الفعالية بأنها تميزت بأسلوب حضاري سلمي فريد، حيث أظهر المغاربة تصميمهم الراسخ وإرادتهم القوية في استعادة حقوقهم المسلوبة، كما تجلى ذلك من خلال انخراط جميع الفئات الاجتماعية في هذه المسيرة التاريخية.
تجاوزت المسيرة الخضراء الحدود المصطنعة التي وضعت بين أبناء الوطن الواحد، حيث كانت تتجه نحو تحرير الأقاليم الصحراوية، وأظهرت كيف أن سلاحها كان الإيمان وقيم السلم والسلام. ومن خلال هذه المسيرة، تجسد التلاحم الوطني بصورة واضحة، حيث أظهر المغاربة عزمهم على استعادة أراضيهم، وأكدوا للعالم مدى قوة إيمانهم بعدالة قضيتهم.
على مر العقود، شهد المغرب تضحيات جسيمة في سبيل مواجهة الاحتلال الأجنبي، فقد استمر الاستعمار لقرابة نصف قرن، وقسم البلاد إلى مناطق نفوذ متعددة، حيث خضعت أجزاء منها للاحتلال الفرنسي وأخرى للإسباني، بينما كانت منطقة طنجة خاضعة لنظام حكم دولي. ورغم هذه التحديات، كان العرش والشعب يواجهان ذلك ببطولة وشجاعة، ويقدمون تضحيات كبيرة لتحقيق الحرية والاستقلال.
وعندما انتهت فترة الحماية، بدأت مرحلة جديدة من النضال الوطني من أجل بناء دولة مستقلة. وعاد الملك محمد الخامس من المنفى في 16 نونبر 1955، حاملاً راية الحرية، وداعياً الشعب المغربي لمواصلة الجهاد الأكبر، وهو الجهاد من أجل التنمية والازدهار. وعلى مدى السنوات التالية، استمرت الجهود لاستعادة ما تبقى من التراب الوطني، حيث انطلقت عمليات جيش التحرير في الأقاليم الجنوبية عام 1956.
تحت قيادة الملك الحسن الثاني، واصل المغرب مسيرته النضالية لاسترجاع الأراضي المحتلة، حيث استعاد مدينة سيدي إفني في عام 1969، وفيما بعد تجسدت هذه الجهود بالمسيرة الخضراء في عام 1975. ومن خلال أسلوبها السلمي الفريد، تمكنت هذه المسيرة من تحقيق أهدافها، حيث رفعت راية الوطن في سماء العيون في 28 فبراير 1976، إيذاناً بانتهاء الاحتلال الأجنبي.
واليوم، يواصل المغرب تحت قيادة الملك محمد السادس دفاعه الثابت عن وحدته الترابية، حيث يؤكد أمام العالم عزيمته على استعادة حقوقه. أسرة المقاومة وجيش التحرير، وهم يستحضرون بفخر واعتزاز ملحمة المسيرة الخضراء، يؤكدون دائماً على مغربية الصحراء ويجددون موقفهم الثابت في مواجهة أي مناورات تمس وحدتهم الترابية.
احتفاءً بهذه الذكرى العظيمة، تنظم المندوبية السامية مجموعة من الفعاليات والأنشطة، حيث ستشمل مهرجانًا خطابياً وندوات فكرية تستعرض تفاصيل هذا الحدث التاريخي وتبرز معانيه الرمزية. كما سيتم تكريم عدد من قدامى المقاومين الذين قدموا تضحيات جليلة في سبيل حرية الوطن. ويأتي ذلك في إطار جهود تعزيز قيم الوطنية والمواطنة لدى الأجيال الجديدة، مما يسهم في إحياء ذاكرة النضال والكفاح من أجل الحرية والاستقلال.
وفي مختلف جهات المملكة، سيتم تنظيم أنشطة متعددة تشمل ندوات ومحاضرات وزيارات لفضاءات الذاكرة التاريخية، حيث تهدف هذه الفعاليات إلى تعزيز الوعي الوطني وتشجيع الفئات العمرية على معرفة تاريخ بلادهم وتضحيات أجدادهم. إن المسيرة الخضراء ليست مجرد ذكرى عابرة، بل هي تجسيد لروح الوحدة الوطنية والتضامن بين جميع المغاربة.