إعادة الغرس الكبرى للصبار تكشف خللاً عمره سنوات في إدارة القطاع الفلاحي

إعادة الغرس الكبرى للصبار تكشف خللاً عمره سنوات في إدارة القطاع الفلاحي
رغم الحملات الميدانية والبلاغات الرسمية التي تسلط الضوء على “تقدم البرنامج الوطني لغرس الصبار المقاوم للحشرة القرمزية”، لا تزال استراتيجية وزارة الفلاحة تثير الكثير من علامات الاستفهام والقلق بين الفلاحين والمختصين على حد سواء. فبالنسبة للمتتبعين، يبدو أن الجهود الحالية ليست أكثر من محاولة متأخرة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، بعد أن تحولت آلاف الهكتارات من الصبار إلى رماد نتيجة سنوات من سوء التدبير ونقص الرؤية الاستراتيجية.
زيارة الوزير أحمد البواري لإقليم الجديدة، والتي هدفت إلى الاطلاع على تقدم برنامج غرس الصبار، لم تزد سوى على إثارة التساؤلات. فالكثير من المواطنين يتساءلون: لماذا انهار هذا القطاع الحيوي أساسا؟ ومن المسؤول عن ضياع ملايين الهكتارات من الصبار التي كانت مصدر رزق لآلاف الأسر القروية؟
تعلن الوزارة اليوم عن برنامج لغرس 122 ألف هكتار من الصبار المقاوم، بتكلفة مالية تقدر بأكثر من 1,4 مليار درهم، إلى جانب 100 ألف هكتار قيد الدراسة. ومع ذلك، يؤكد الفلاحون أن المغرب فقد خلال العقد الأخير رقما أكبر بكثير من هذه المساحات، بعد انتشار الحشرة القرمزية في ظل غياب أي خطة استباقية أو إجراءات وقائية، رغم التحذيرات المتكررة في وقت سابق.
ويشير المهتمون بالشأن الفلاحي إلى أن الإنفاق الحالي يركز على إعادة غرس ما تم فقده بالفعل، بدل أن تخصص الأموال للبحث العلمي، وتحصين الضيعات، وتطوير مختبرات قادرة على مواجهة الأمراض النباتية قبل تفشيها، ما يعكس ضعف القدرة على التخطيط الطويل الأمد.
من ناحية أخرى، يطرح مراقبون أسئلة جوهرية حول غياب تقييم رسمي وشفاف لتحديد مكامن الخلل في الاستراتيجية السابقة، وعدم نشر تقارير المحاسبة التقنية التي تبين كيف وصلت الحشرة القرمزية إلى مستويات مدمرة بهذا الشكل. فإعادة الغرس دون دراسة الأخطاء السابقة قد تؤدي، بحسب هؤلاء، إلى تكرار نفس الاختلالات مرة أخرى.
أما الحديث عن “استراتيجية الجيل الأخضر” المرتبطة بملف الصبار، فيراه الفلاحون مجرد محاولة لتجميل الواقع دون تغيير ملموس على الأرض. فعدد كبير منهم فقد ضيعاته بالكامل، واضطر إلى التخلي عن هذا النشاط الذي كان مصدر دخل أساسي لعائلات بأكملها، دون أن يتلقوا أي دعم يعيدهم إلى دائرة الإنتاج ويضمن استمرارية القطاع.
يبقى السؤال المحوري الذي يطرحه الفلاحون والخبراء على حد سواء: هل يحتاج الصبار حقا إلى مليار ونصف لإعادته إلى الحياة، أم أن المنظومة الفلاحية برمتها بحاجة إلى نهج جديد يعترف بالأخطاء، ويضع البحث العلمي واليقظة الزراعية في صلب السياسات العمومية؟
في خضم الزيارات الرسمية والتصريحات المطمئنة، يبقى الصبار – النبات المقاوم بطبيعته – شاهدا حيا على هشاشة السياسات الفلاحية، وعلى الثمن الباهظ الذي يدفعه الفلاح البسيط حين تغيب الرؤية، وتغيب المحاسبة، وتصبح الاستراتيجيات مجرد أرقام تسجل في تقارير لا تصل إلى الأرض.



