دراسة: العمل من المنزل بعض الوقت يسعد الموظفين ولا يخفض الإنتاجية

حسمت دراسة حديثة الجدال الواسع الذي شغل الأوساط الوظيفية على مدار أكثر من ثلاثة أعوام، بعد أن بيّنت أنّ مزيجا من العمل من المنزل مع العمل من المكتب يجعل الموظفين أسعد، بينما لا يكاد تأثيره السلبي على الإنتاجية يذكر.

وانتشر على نطاق واسع، في مختلف البلدان وقطاعات الأعمال، واحد من أشد الجدالات في عصر ما بعد وباء كورونا، حول ما إذا كان العمل المختلط، الذي يجمع بين العمل من المنزل ومن المكتب هو الأفضل، أو الأسوأ، على الإطلاق.

ويقول المدافعون عن العمل المختلط إنه يساعدهم على تحقيق توازن أفضل بين العمل والحياة الشخصية، كما أنه أكثر جاذبية.

وتشير الدراسات إلى أنّ هذا الجمع بين العالمين عزز أيضاً مشاركة المرأة في القوى العاملة. ولكن، في الوقت نفسه، يشعر أصحاب العمل بالقلق من تسبب العمل من المنزل، ولو لبعض الوقت، في تدني إنتاجية الموظفين وتعاونهم.

وجاءت الدراسة الجديدة، التي نشرتها مجلة نيتشر في 12 يونيو الحالي، لتحسم النقاش، حيث أكدت أنّ المخاوف المتعلقة بالإنتاجية لا تذكر، وأنّ العمل المختلط يمكن أن يكون بالفعل الإعداد المثالي للعمال.

وقسمت الدراسة أكثر من 1600 موظف في شركة Trip.com، وهي وكالة سفر صينية، إلى مجموعتين وتتبعتهم لمدة عامين. وعملت إحدى المجموعتين من المكتب خمسة أيام في الأسبوع، بينما قضت المجموعة الأخرى ثلاثة أيام في العمل من المكتب ويومين في العمل من المنزل.

وأظهرت المجموعة الأخيرة تحسّناً في الرضا الوظيفي الذي أبداه الموظفون، كما انخفض معدل ترك هؤلاء الموظفين بمقدار الثلث، وكان التأثير واضحا بشكل خاص على الموظفين الذين لم يكونوا مدراء، والنساء، وأولئك الذين يتنقلون لمسافات طويلة. ولم تكن هناك أي جوانب سلبية حقاً، حيث وجدت الدراسة أنّ العمل المختلط لم يكن له تأثير سلبي ملموس على أداء العمال أو إنتاجيتهم. وكان المديرون أيضاً أكثر دعماً له بعد المشاركة في الدراسة.

وخلص منظمو الدراسة إلى أنّ العمل المختلط يمكن أن يعزز أرباح الشركات عن طريق خفض معدلات ترك العمل “التي تقدر تكلفتها بنحو 50% من الراتب السنوي للفرد”، كما أنه “يقدّم مكاسب كبيرة للمجتمع من خلال توفير وسائل راحة قيمة للموظفين، ويحدّ من التنقل، ويسّهل رعاية الأطفال”.

وأشارت الدراسة إلى أنّ نظام العمل المختلط يمكن أيضاً أن يكون بمثابة نعمة لبعض أنواع الشركات، مثل المقاهي والحانات وصالات الألعاب الرياضية وصالونات التجميل، والتي شهدت جميعها زيادة في الأرباح بسبب اقتصاديات العمل من المنزل.

ولم تكن سياسة العمل من المنزل جديدة تماماً بعد الوباء، لكنها شهدت زيادة كبيرة في اعتمادها، مدعومة بتطورات كبيرة في التكنولوجيا، حيث تم وضع الأساس للعمل عن بعد من خلال تطوير تقنيات الاتصال والتعاون، مثل مؤتمرات الفيديو، والحوسبة السحابية، وأدوات إدارة المشاريع عن طريق الإنترنت. وسهّلت هذه الأدوات على الموظفين البقاء على اتصال والإنتاج، حتى في حالات غيابهم الفعلي عن المكاتب.

وعلى الرغم من التطور التكنولوجي، ظل العديد من الشركات متردداً في تبني مبدأ العمل من المنزل بدوام كامل، حيث سيطرت المخاوف بشأن الإنتاجية والاتصال وثقافة الشركة، وتسببت في إصرار العديد من الرؤساء التنفيذيين على حضور الموظفين للمكتب كل أيام الأسبوع.

والعام الماضي، انتقد الملياردير الأميركي الشهير إيلون ماسك فكرة العمل من المنزل، واصفاً إياها بـ”الخدعة”. وقال الرئيس التنفيذي لشركات تسلا وسبايس إكس وإكس، لشبكة “سي إن بي سي” الاقتصادية: “أعتقد أنّ فكرة العمل من المنزل برمتها تشبه إلى حد ما مقولة ماري أنطوانيت المزيفة دعهم يأكلون الكعك. الأمر لا يتعلق فقط بالإنتاجية. أعتقد أنّ هذا خطأ من الناحية الأخلاقية”.

بدوره، أكد جيمي دايمون، الرئيس التنفيذي لبنك جي بي مورغان تشيس، أكبر بنك في الولايات المتحدة، رفضه لفكرة العمل من المنزل، مؤكداً أنّ الطريقة الأفضل لأداء الأعمال في المؤسسات المالية هي المقابلات وجهاً لوجه. وقال الرئيس التنفيذي الوحيد الذي احتفظ بمنصبه في بنك كبير بعد الأزمة المالية العالمية في 2008، في مقابلة مع وسائل إعلام، في فبراير الماضي، إنّ “لا شيء يشبه مقابلة العميل على أرض الواقع، فالناس يحبّون زيارة أموالهم ومقابلة من يظنون أنهم يديرونها”.

وفي 2020، فرضت جائحة كوفيد 19 تحوّلاً كبيراً، حيث اضطرت الشركات إلى إعطاء الأولوية للصحة العامة والتباعد الاجتماعي، فأصبح العمل من المنزل ضرورة للعديد من الشركات للبقاء في السوق، مع حرصهم على سلامة الموظفين. واضطرت الشركات التي لم تفكّر مطلقاً في العمل عن بعد من قبل إلى تجربته على نطاق واسع. وأدى هذا التبني السريع إلى اكتشاف العديد من الفوائد غير المتوقعة.

وبعد تراجع معدلات الإصابة بالوباء، ظهر نموذج عمل هجين، يجمع بين العمل من المنزل والعمل من المكتب، بما هو حلّ وسط شائع، حيث سمح للشركات بالحفاظ على بعض مزايا التعاون وثقافة الشركة، مع تقديم المرونة للموظفين.